آخر تحديث :السبت-23 أغسطس 2025-12:35ص

‏(8) الارهابي الهالك طه المداني.. الحارس المظلم لدهاليز المليشيات الحوثية

الجمعة - 22 أغسطس 2025 - الساعة 11:26 م

د. فياض النعمان
بقلم: د. فياض النعمان
- ارشيف الكاتب

سلسلة مقالات 8 - 20

‏الارهابي الهالك طه حسين المداني واحد من تلك الأسماء التي لا يعرفها الناس في العلن بقدر ما يعرفون أثرها في الخفاء رجل صنع لنفسه سلطة من الظل وبنى نفوذ ولم يكن قائم على الظهور أو التصريحات بقدر ما كان متجذر في صناعة الخوف وإدارة الرعب فصعوده داخل المليشيات الحوثية ليس مصادفة ولا نتيجة تجربة أمنية طويلة وانما صورة لفكرة سلالية ترى أن القيادة حكر على من ينتمون إلى الأسر الهاشمية وهو ما أتاح له أن يجد طريق سريع إلى دائرة القرار وتتقاطع السلطة العقائدية مع الأدوات الأمنية ولم يكتف بما منحه النسب الزائف من مكانة واستثمر قدرته على بناء شبكات مغلقة ودوائر ولاء خفية ليضع يده على أهم ملف وجودي بالنسبة للمليشيات الأمن الداخلي.

‏ولد الجهاز الأكثر رعبا في التجربة الحوثية الأمن الوقائي ولم يكن الجهاز مجرد امتداد للأمن التقليدي وكان بمثابة دولة خفية داخل الدولة ويراقب الجميع بلا استثناء ويترصد الخصوم ويلاحق حتى الأنصار ويتعامل مع كل شخص باعتباره مشروع تهديد محتمل وتحت قيادة الارهابي المداني تحول الأمن الوقائي إلى أداة لا تعرف حدود في القمع واعتمد على الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الوحشي وصنع منظومة جعلت الخوف جزء من الحياة اليومية لليمنيين وما يميز الجهاز أنه لم يتوقف عند حدود السيطرة الأمنية وتجاوزها إلى إعادة تشكيل المجتمع وفق ميزان الطاعة والخضوع.

‏الارهابي المداني أشرف على حملات مداهمة ليلية حولت المدن اليمنية إلى ساحات رعب فصنعاء وذمار وإب عاشت مشاهد اقتحام المنازل ورجال مقنعون يطرقون الأبواب بقوة السلاح ويسحبون شباب ورجال ونساء من أسرتهم ويتركون وراءهم عائلات لا تعرف شيئ عن مصيرهم تلك اللحظات لم تكن مجرد اعتقالات وانما رسائل مرسومة بعناية لزرع الخوف وتذكير الناس أن العين التي تراقبهم لا تغفو وفي الجانب الآخر من تلك المداهمات كانت هناك معتقلات سرية تنتظر المختفين سجون مخفية تحولت إلى مختبرات للقهر المنهجي والتعذيب النفسي والجسدي وسيلة لإخضاع الإنسان وكسر إرادته فشهادات الناجين تحدثت عن تعليق بالسلاسل وصدمات كهربائية وزنازين ضيقة لا يدخلها الضوء أما الهدف فكان إفراغ المعتقل من روحه قبل أن يخرج إلى الحياة وإن كتب له الخروج أصلا.

‏القمع الارهابي للمداني لم يقتصر على الاعتقال والتعذيب فالرجل ارتبط اسمه بعمليات تصفية جسدية استهدفت شيوخ قبائل وقادة عسكريين وسياسيين رفضوا الانصياع للمشروع الحوثي وكثير من الاغتيالات جرت في ظروف غامضة وخيوطها تنتهي إلى الجهاز الذي بناه المداني بإحكام وبذلك تحول اسمه إلى مرادف للخوف وارتبط حضوره في الوعي العام بكل ما هو مظلم ودموي.

‏نفوذ الارهابي المداني تضاعف بفضل قربه المباشر من زعيم المتمردين الارهابي عبد الملك الحوثي وليس مجرد منفذ للسياسات وانما جزء من الدائرة الضيقة التي تتلقى التوجيهات من الزعيم نفسه وتتعامل معها كما لو كانت أوامر مقدسة وهذا القرب منحه حصانة مطلقة وسمح له بتوسيع سلطته بلا رقيب مدعوم بشبكة ولاءات مذهبية وسلالية عنصرية رسخت القناعة بأن المجتمع ليس شعب متساوي الحقوق وانما رعايا خاضعين لحكم أعلى والذهنية تحول القمع إلى ممارسة طبيعية وصار انتهاك الحقوق قاعدة ثابتة وارتسمت ملامح دولة أمنية لا تقبل النقاش ولا تسمح بالاعتراض.

‏المفارقة أن شخصية بهذا الثقل ظلت غائبة عن الواجهة الإعلامية ولم يظهر كثيرا في الصور ولا في المناسبات العلنية ولا في منصات التواصل الاجتماعي او القنوات الحوثية وكأنه اختار عمدا أن يبقى في الظل يدير أخطر الملفات غيابه عن الضوء لم يضعف حضوره وانما على العكس زاد من هالة الغموض حوله حتى صار مجرد ذكر اسمه يثير قلقا مضاعفا وكان رمز لرجل يدير الأمن من وراء الستار وكلما قل ظهوره تضاعفت أسطورته السوداء.

‏وحين أعلنت المليشيات مقتله في إحدى الجبهات بدا الأمر وكأن صفحة قد اغلقت لكن الحقيقة أن موته لم ينه الحكاية فالأجهزة التي بناها بقيت تعمل بالطريقة نفسها مستخدمة ذات الأدوات ومكرسة ذات النهج حتى صارت بصماته جزء من البنية العميقة للمليشيات وإرثه الدموي لم يدفن معه وانما ظل حاضر في تفاصيل الحياة اليومية يلاحق اليمنيين في شكل مداهمات جديدة ومعتقلات ما زالت مفتوحة وعمليات قمع لا تتوقف هكذا استمر طه المداني لا كشخص حي وانما كمنظومة متجذرة في عمق الواقع وعقل أمني أسس لجهاز لا يزال يحكم بالترهيب ويعيد إنتاج الخوف كأداة للسيطرة.