في الوقت الذي يتهاوى فيه نفوذ الأذرع التقليدية للحرس الثوري الإيراني في الإقليم، يتقدم الحوثيون سريعًا لشغل الفراغ، في مشهد يعيد تشكيل خارطة الوكلاء الإقليميين لطهران. لم يكن الحرس الثوري الإيراني يومًا جامدًا في رؤيته أو آلياته، بل اتسم دومًا بالمرونة البالغة في إدارة أذرعه المختلفة، تبعًا لظروف كل ذراع، وقدراتها، لا لعقيدتها أو تطابقها الإيديولوجي مع رجال الدين الإيرانيين.
من حزب الله إلى الحوثي.. انتقال لواء الوكالة الإقليمية
لطالما تجاوز حزب الله اللبناني إطار دوره المحلي، بل تصدر مشهد الوكالة الإقليمية، متوغلاً في ملفات سوريا والعراق واليمن وحتى مصر، هذه القبضة التي بدأت بعد الانسحاب السوري من لبنان، بلغت ذروتها بعد العام 2011، مع الاحتجات في سوريا وتدخل الحزب لملء الفراغ في سيطرة الأسد على سوريا
ولكن كما بدأت قوة حزب الله تراجعت مع أحداث 7 أكتوبر، ويلغت اسوء مراحلها بعد اغتيال زعيم الحزب حسن نصرالله، حيث خسرت إيران معه عدة أوراق ضاغطة، على رأسها حزب الله وحركة حماس. ومع سقوط هذه التنظيمات المحورية أو تهميش أدوارها، بدأ الحرس الثوري الإيراني بإعادة تموضع أدواته، مستقرًا على جماعة الحوثي كوريث محتمل لهذه المهام.
استراتيجية الحرس الثوري: إدارة بالأدوات لا العقائد
الحرس الثوري لا يصنع الأذرع من العدم، بل يلتقط ما هو قائم ويتعامل معه بناءً على حجمه وقدرته على الإنجاز. في لبنان، حمل حزب الله راية المشروع الإيراني بعد انسحاب سوريا، وفي اليمن ظهرت الجماعة الحوثية كذراع واعدة بعد انقلاب 2014، هذا الانقلاب غيّر المعادلة، وجعل طهران توصي بجعل كل الأنشطة التابعة لها داخل اليمن، تحت سيطرة الجماعة الحوثية ومكتبها السياسي.
هذه الهيمنة الحوثية واجهتها بعض المكونات الجنوبية بالرفض، مثل فصائل من الحراك الجنوبي التي انضمت لاحقًا إلى التحالف العربي، في المقابل، اندمجت شخصيات يمنية أخرى في المشروع الإيراني مثل سلطان السامعي وعلي ناصر محمد، مما يعكس مرونة المشروع الإيراني في استيعاب المتحولين وتدوير النخب.
الحوثي كبديل إقليمي
مع تقلص أدوار حزب الله وحماس، باتت الحاجة الإيرانية لوكيل إقليمي جديد أكثر إلحاحًا، الحوثي، بحسب المؤشرات، هو الأكثر جاهزية لتسلم هذا الدور، خاصة بعد أن أبدى طموحات تتجاوز حدود اليمن، وسعى ليكون رأس حربة في مواجهة المشروع الإسرائيلي والدولي وقبلها أنظمة الدول العربية، ولو على المستوى الدعائي.
هذه الطموحات، مقرونة بعلاقات متشعبة بدأت الجماعة تنسجها مع تنظيمات في القرن الإفريقي وخطوط الملاحة، توحي بتحول كبير في الدور الوظيفي للحوثي، من جماعة متمردة محلية إلى مركز إدارة لشبكة وكلاء متوزعة على الإقليم.
إذا تأخر الرد كثيرًا!
ما يحدث اليوم هو ترقية للحوثي إلى درجة "اللاعب الإقليمي"، بكل ما يعنيه ذلك من قدرة على تمويل، وتحريك، وتوجيه جماعات متطرفة، وتكريس واقع جديد في المنطقة يخدم أجندات إيران التخريبية.
فإذا لم تُجابه هذه التحولات منذ الآن، فقد يصبح الحوثي غدًا نسخة أكثر تشعبًا وتعقيدًا من حزب الله، لكن في بيئة جغرافية وميدانية أكثر انفتاحًا على البحر والقرن الإفريقي والممرات الدولية، وهو ما يجعل كلفة التخلص منه – بالسلم أو بالحرب – أعلى بكثير مما هي عليه اليوم.