ما من شك في أن هذه الوسائط الحديثة تؤدي دورًا مهمًا في خدمة المبدعين بمختلف مستوياتهم في الكتابة، وهي مجال مفتوح كذلك لأن يكتب المرء ما يشاء، وكل ما قد يظن صاحبه أنه عمل أصيل، كما لا يمكن أن ننكر أن هذه الوسائط فضاء تفاعلي بين الكتاب والقراء، وتجري فيها النقاشات التي لها أهميتها في طرح وجهات النظر الشفافة، فضلًا عن دورها الكبير في إثراء النشر والتواصل الثقافي العابر للحدود والقيود. ولأن السؤال هنا قد حدد وجهته في الأثر السلبي عند التعاطي مع "النص الرديء" الذي يصنع تفاعلًا مزيفًا يخلط بين الجيد وغير الجديد، فعلينا ألا ننكر أن الجزء الأكبر من هذا التفاعل يدخل في دائرة التلقي الشعبي الذي ليس من وظيفة أصحابه أن يقدموا وعيًا نقديًا بطبيعة النص، وفي أحسن الأحوال لا يخرج هذا التفاعل عن دائرة الانطباعات الفردية الخاصة، أو التلقي الذي ينطلق من الجوانب التأثرية والذوقية، وذلك باستثناء ما قد يصدر عن كتاب أو قراء "نوعيين" مما يجعلنا نقترب خطوات "حذرة" من الاطمئنان لآرائهم في النصوص، وأقول"حذرة" لأن القراء النوعيين يمكن أن تصدر منهم "تعليقات" بهدف التشجيع عندما يكون الكاتب من المبتدئين في الكتابة، أو المجاملة المتبادلة بين الكتاب أنفسهم، التي تتجنب الحساسيات ولا تعرض أصحابها للحرج على الملأ، كما أن التعليقات من طبيعتها الاختصار بجملة أو فقرة موجزة تقتضيها طبيعة هذا الفضاء التفاعلي الذي قد يبدو أشبه بعملية مصافحة بين المارين في الشارع، يقول أحدهم للآخر: "نص جيد لقد اطلعت عليه" أو "لقد زرت صفحتك البارحة" أو "رائع هذا أنا أتابعك" وغير ذلك من عبارات التواصل التي ليس من وظيفتها تقديم التحليل والتفسير ناهيك عن الحكم على النصوص..
ولتجنب مخاطر الادعاء بقيمة النصوص "الرديئة" ينبغي النظر إلى طبيعة مصدر هذه التفاعلات ومحدودية وظيفتها، وألا يكون تصورنا في الحكم عليها وفق المبدأ الديمقراطي الكمي، فعدد "اللايكات" أو الإعجاب لن يمنح النصوص شرعية افتقدتها من الناحية الجمالية. وبهذا نكون منصفين في الاعتراف بحق الكاتب في النشر والتواصل، طالما اختار ذلك، وبحق الآخرين في المشاهدة الجماهيرية دون التأثير السلبي على قيمة الأدب الأصيل..
وفي أحيان أخرى تتحول هذه النصوص إلى ما يشبه المسودة الأولى التي تخضع لاحقًا للتعديل وفق ما قد يتحصل عليه الكاتب المبتدئ من ملاحظات إيجابية.