أعربت وزارة المالية عن قلقها العميق إزاء ما وصفته بـ"الإنفاق غير المبرر والمبالغ فيه" من قبل صندوق صيانة الطرق والجسور، كاشفة عن تجاوزات مالية خطيرة تم رصدها في عدد من المشاريع الممولة خلال الفترة الأخيرة، ما يستدعي فتح تحقيق شامل وعاجل من الجهات الرقابية والقضائية المختصة.
وأكد مصدر مسؤول في وزارة المالية في تصريح خاص لموقع "باب نيوز" أن مراجعة تفصيلية قامت بها الوزارة في إحدى الوثائق فقط، أظهرت وجود انحرافات مالية كبيرة، أبرزها صرف مبلغ 454 مليون ريال لصالح شركة خاصة نظير تنفيذ أعمال إزالة رمال ومخلفات السيول في مدينة زنجبار بمحافظة أبين، صُرفت لـ"شركة إبن الحرجي" باسم أحد الأفراد (ع.ن.أ).
ووفقاً لتقديرات فنية استندت إلى ساعات تشغيل المعدات، فإن الكلفة الحقيقية للعمل لا تتجاوز 25 مليون ريال، ما يكشف عن فارق مالي ضخم غير مبرر يثير شبهات فساد واضحة ويؤكدها بما لا يدع مجالًا للشك.
كما رصدت الوزارة حالة أخرى تتعلق بصرف 27,697,456 ريالًا و55 فلسًا لشركة "سبأ" ضمن عهدة شهر مارس 2025 كمخصص لمشروع إعادة تأهيل خط "العلم – دوفس" (الجهة اليمنى/أبين) رغم أن المشروع متوقف منذ سنوات، الأمر الذي وصفه المصدر بأنه "دليل إضافي على العبث بالمال العام ورفع مستخلصات لمشاريع وهمية أو غير منفذة".
وأوضح المصدر أن الوزارة لاحظت من خلال مراجعة التصفيات المالية المرفوعة من الصندوق تفاوتاً كبيراً في كُلفة المشاريع، حيث تنخفض عند تنفيذها عبر الجهات الحكومية، بينما ترتفع بصورة لافتة عند إسنادها لشركات خاصة، معتبرًا هذا التفاوت "يعكس خللاً بنيويًا في آليات التعاقد، وغياباً شبه تام للشفافية والمساءلة داخل إدارة الصندوق".
وفي هذا السياق، حصل موقع باب نيوز على وثيقة رسمية صادرة عن رئيس صندوق صيانة الطرق والجسور، وموجهة إلى وزير المالية في مارس من العام الجاري، يطالب فيه بصرف تعزيز مالي بمبلغ 3 مليارات ريال، ضمن التزامات مالية إجمالية تتجاوز 12 مليار ريال يدّعي الصندوق أنها مستحقة حتى نهاية العام 2024.
وتُظهر الوثيقة تفاصيل لافتة حول طريقة توزيع المبلغ المطلوب، حيث تم تخصيص:
- 2,002,385,851 ريالاً (67%) كمستخلصات لصالح شركات في القطاع الخاص، وسط استمرار الشبهات بشأن تضخيم الكلفة، ووجود تعاقدات مع شركات غير مؤهلة.
- 819,450,570 ريالاً (28%) كنفقات تشغيلية، شملت مخصصات لرئيس الصندوق، وبدلات إشراف، وإيجارات، ومحروقات، ومصروفات إدارية، في رقم وصفه مراقبون بأنه "مبالغ فيه بشكل صارخ مقارنة بواقع أداء الصندوق".
- 148,517,706 ريالاً فقط (5%) لصالح المؤسسة العامة للطرق والجسور، الجهة الحكومية المعنية بالبنية التحتية، ما يثير تساؤلات حقيقية حول تهميش المؤسسة الرسمية لصالح القطاع الخاص، وتغييب الكادر الوطني المؤهل.
وحذر المصدر من أن هذه المؤشرات قد تعكس نمطًا ممنهجًا من الفساد المالي وتضارب المصالح داخل الصندوق، داعيًا الأجهزة الرقابية وفي مقدمتها الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد إلى التدخل الفوري وفتح تحقيقات موسعة في كل الملفات المالية المرتبطة بصندوق صيانة الطرق.
وأكد أن وزارة المالية لن تتهاون مع أي جهة تُثبت التحقيقات تورطها في العبث بالمال العام، وأنها ماضية في جهودها لضمان توجيه الموارد إلى مشاريع تنموية حقيقية تخدم المواطنين وتُنفذ بشفافية وكفاءة، بعيدًا عن المصالح الشخصية أو النفوذ التجاري غير المشروع.


