استيقظ سكان أرخبيل سقطرى صباح اليوم على مشهد صادم، تمثّل في نفوق جماعي غير مسبوق لأكثر من 80 دولفينًا على شاطئ منطقة "نيت" بمديرية قلنسية، في حادثة وُصفت بأنها الأكبر من نوعها في تاريخ الجزيرة خلال السنوات الأخيرة، وأثارت قلقًا واسعًا في الأوساط البيئية والشعبية.
الحادثة أعادت إلى الذاكرة واقعة مماثلة شهدتها سواحل الأرخبيل عام 2017 حين نفق نحو 20 دولفينًا، إلا أن العدد الكبير للدلافين النافقة هذه المرة منحها بُعدًا كارثيًا دفع الخبراء إلى دق ناقوس الخطر بشأن صحة البيئة البحرية في المنطقة.
ووفق دراسة بحثية حديثة بعنوان "ظاهرة جنوح الدلافين في سواحل سقطرى 2025"، فإن أسباب الظاهرة تعود إلى اختلالات بيئية حادة، أبرزها التلوث الكيميائي، والتغيرات المفاجئة في درجات حرارة المياه، والاضطرابات الموسمية في التيارات البحرية.
الباحث المتخصص في علوم البحار بجامعة الحديدة، الدكتور يحيى فلوس، أوضح أن ارتفاع معدلات التلوث البحري والتغير المناخي أسهما في إضعاف مناعة الدلافين، ما جعلها أكثر عرضة للجنوح والإصابة بالأمراض، محذرًا من أن تكرار هذه الحوادث قد يشير إلى تحوّل خطير في النظام البيئي البحري للجزيرة.
من جانبه أكد المدير العام للهيئة العامة للمصائد السمكية في سقطرى، أحمد علي عثمان، أن الفترة الممتدة من يونيو حتى سبتمبر تشهد أمواجًا عاتية وتيارات قوية تؤدي إلى انخفاض حاد في نسبة الأوكسجين في المياه الساحلية، مما يدفع الدلافين إلى الشاطئ حيث تفقد قدرتها على العودة للمياه العميقة.
وفي السياق ذاته، حذّر الباحث جميل السقطري من أن الأنشطة البشرية العشوائية، كالسياحة غير المنظمة، وحركة القوارب، واستخدام أدوات الصيد المزعجة، تُسهم بشكل مباشر في إرباك أجهزة التوجيه لدى الدلافين، وتزيد من خطر جنوحها.
وأشار تقرير صادر عن مركز سقطرى للدراسات الإنسانية والاستراتيجية إلى أن طبوغرافية السواحل المعقدة، بما فيها الخلجان الضيقة والمداخل الوعرة، تمثل فخاخًا طبيعية تُضاعف خطر الجنوح الجماعي لهذه الكائنات البحرية.
ويرى خبراء بيئيون أن هذه الواقعة قد تكون مؤشرًا على تحولات بيئية أوسع تهدد الثروة السمكية والتوازن البيولوجي في الأرخبيل، وهو ما قد ينعكس سلبًا على حياة آلاف الأسر التي تعتمد في معيشتها على الصيد البحري.
في ظل هذا الواقع، تتزايد المطالبات بسرعة تفعيل برامج للرصد البيئي المستمر، وتشديد الرقابة على الأنشطة البشرية، واتخاذ خطوات عاجلة لحماية النظام البيئي في سقطرى، قبل تفاقم الخطر ووصوله إلى نقطة اللاعودة.