ثمة أماكن لا تزورها فقط، بل تعبر من خلالها إلى زمن مختلف، إلى لحظة نادرة تختلط فيها المشاعر بالمعرفة، ويصبح الماضي أكثر قربا من الحاضر.
هكذا كانت زيارتي إلى مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر، لم تكن مجرد مرور بمقر إعلامي عريق، بل كانت استعادة حقيقية لذاكرة مشبعة بالحب والتقدير لهذه المنارة الصحافية التي شكلت وعي جيل كامل.
فمنذ أن تأسست في ستينيات القرن الماضي، وعكاظ لم تكن مجرد صحيفة تُقرأ، بل منصة تُصغى إليها.
فعلى صفحاتها نمت بذور الرأي الحر والكلمة الصادقة، وارتفع صوت الصحافة الموضوعية في زمن كانت الحقيقة فيه عملة نادرة.
ومن عكاظ، خرجت أسماء صنعت الفارق، وأقلام ظلت علامات في تاريخ الإعلام السعودي والعربي.
وحين وطأت قدماي مقر المؤسسة، لم أزر فقط مبنى، بل التقيت روحا. شعرت وكأن الجدران تحتفظ بأصوات المحررين، بنبض الطابعات القديمة، وبأحاديث الصحفيين في مطلع النهار ونهايته.
بل إن كل ركن فيها يروي قصة، وكل ملف محفوظ يحمل بين أوراقه بصمة من عاش لحظة الكلمة الصادقة.
لذلك أشكر الزملاء الأعزاء في عكاظ على الدعوة الكريمة، التي منحتني فرصة للاقتراب من هذا الصرح، والاحتكاك المباشر بمكان كان له في قلبي ذكريات بعيدة، واليوم صار له أيضا مشاعر جديدة لا تُنسى.
فالصحافة اليوم تمر بتحديات جمة، لكن زيارة مثل هذه تُعيد للمرء ثقته بأن الكلمة الصادقة لا تموت، وأن هناك من لا يزال يؤمن بأن للصحافة رسالة، وبأن الموضوعية ليست رفاهية، بل ضرورة.
وفي عكاظ، شعرت أن الزمن لم يخذل الكلمة، وأن الماضي لا يزال يضيء الحاضر. فشكرا من القلب لعكاظ، إدارة وصحفيين وذاكرة
ولقد كانت زيارتي لكم زيارة لذاتي، ولتاري أفتخر أني جزء منه.
ففي الصحافة، كما في الحياة، لا تبقى إلا الكلمات التي قيلت بصدق، وهذا ما وجدته في عكاظ.!