في زمن تضج فيه الساحات بأصوات متنافرة، تبقى الكلمة هي بوصلة المجتمع ونبراسه. والإعلامي، هو حارس هذه الكلمة، يقف شاهداً وناقلاً ومُحللاً.
لكن في محافظة أبين، يبدو أن هذا الحارس قد أُثقل بأعباء التبعية الخاصة والبيروقراطية الحكومية، وبات يعاني من إهمال يُهدد دوره السامي هم إعلاميون وصحفيون، لكنهم يقفون اليوم على مفترق طريق، بين الانسياق وراء مصالح الإدارات والمسؤولين، والضياع في ظل الإهمال التنظيمي والمادي. إنها معادلة صعبة يئن تحت وطأتها صُنّاع الرأي، ويبقى السؤال معلقاً، متى تتوحد صفوفهم لتغدو قوتهم في كلمتهم لا في الجهة التي تدفع لهم؟
لقد أثبتت التجربة الحديثة في أبين أن "لم الشمل" الإعلامي ليس حلماً بعيد المنال، ففي عمل مشترك مميز، قادته رئاسة مدير عام إعلام محافظة أبين الدكتور ياسر العبد باعزب. بالشراكة الفاعلة مع نقابة الإعلاميين والصحفيين الجنوبيين ممثلة بالأستاذ محمد ناصر العولقي، عُقدت ورشة تدريبية تحت عنوان جوهري "دور الإعلام في نشر ثقافة السلام والحفاظ على وحدة النسيج الاجتماعي".
لم يكن الهدف السامي للورشة وحده هو البوصلة، بل كان هناك هدف تنظيمي أسمى، توحيد ولمّ شمل كافة منتسبي الإعلام بالمحافظة، وللحظات قصيرة، تَرَك الجميع مهامهم التبعية والخاصة، وتبادلوا الآراء والمقترحات بروح التعاون، مُشَكِّلين فريقاً موحداً يتقن العمل الجماعي بإخلاص لا تشوبه الأحقاد.
تساؤل المشروعية لماذا لا تستمر الوحدة؟ إذا كان الإعلاميون قد أظهروا كفاءة وقدرة على التآلف والعمل الجماعي في تلك الورشة المقتصرة بساعات، فهل من المستحيل تحويل هذا المشهد العابر إلى حالة دائمة؟
إن الفكرة التي تتبلور في ذهن كل حريص على إعلام أبين هي. لماذا لا يتم توحيد الصفوف الإعلامية وتمييزها بدعم حقيقي للمحتوى، وجمعها تحت إشراف مشترك ومُفعَّل من المدير العام للإعلام والنقابة؟
الخروج من العزلة التبعية لجهة خاصة أو مسؤول معين قد تكون ضرورية لكسب العيش، لكنها لا يجب أن تكون سبباً لـ"تفتيت" القوة الإعلامية الجامعة، القوة في الاتحاد فوحدة الصف تمنح الإعلاميين حصانة وقوة في حالة اعتداء أو ظلم، فصوت الجسم الموحد أعلى وأكثر تأثيراً من أصوات متفرقة يسهل إهمالها أو إسكاتها، الاعتراف بالدور من اجل توحيد الصف ينبقي الاعتراف الرسمي بالدور الإعلامي كقوة دافعة ومؤثرة، مما يوجب توفير حوافز مناسبة ومنتظمة من إدارتهم المسؤولة بالتنسيق مع وزارة الإعلام وسلطات المحافظة على شرط توحيد الصفوف. وقول الكلمة أقل شيء بذلك السعي في استمرار وضع خطط تحتوي على اجراء الدورات والورش التدريبية ليظن بها المنتسبين او المنتمين لذلك المجال انهم تحت إشراف إداري قائم على التشجيع من ادارته العامة ونقابة الإعلام الجنوبي.
لهذا الرسالة التي يجب أن تصل بوضوح إلى وزارة الإعلام ووكلائها ومدراء العموم في أبين والمديريات التابعة لها هي، أنصفوا الدور الإعلامي المعرض للإهمال بسبب تشتت صفوفه! ، لا يمكن للإعلام أن يؤدي دوره الوطني والإنساني كاملاً وهو مُهمَل ومُشَتت، إن توفير منصة دائمة للتدريب وتبادل الآراء، والتنسيق المُستمر، ليس مجرد رفاهية، بل هو ضرورة استراتيجية لبناء إعلام واعٍ ومؤثر.
إن تجربة ورشة السلام الناجحة يجب أن تكون نقطة الانطلاق، لا نقطة النهاية، المطلوب اليوم هو برامج تدريب وتأهيل مستمرة بإشراف المدير العام والنقابة، تأسيس مجلس إعلامي موحد يجمع كل الأطياف، توفير حوافز وضمانات تحمي الإعلامي من الاستغلال والإهمال.
إن قوة أبين في نسيجها الاجتماعي، وسر قوة هذا النسيج يكمن في إعلامها الواعي لـمّ شمل الإعلام ليس خدمة له، بل هو خدمة للمحافظة بأسرها.