طبعا منذ أن بدأ النائب البرلماني شوقي القاضي مسيرته السياسية، وهو يتقن فن ارتداء عباءة "الحرص على الوطن"، تلك العباءة التي كلما تهرأت رقعها بخيوط التناقض والارتهان، ثم عاد فأحكم إغلاقها بشعارات خشبية من طراز: "توحيد الصف الجمهوري"، و"مواجهة المشروع الإمامي". لكنه، وبلا سابق إنذار، ظهر مؤخراً من على قناة المهرية، التي باتت تفوح منها روائح المليشيات الح..وثية أكثر من دخان البخور في صعدة، ليتهم فصيلاً من الجيش الوطني، ويعلن أن هناك "دويلة" تتشكل داخل اليمن! عاصمتها المخا التعزية.
أي من تعز تحديدا، المدينة التي لفظت المشروع السلالي وتشبثت بجمهوريتها بأسنانها، خرج القاضي ليطعن أبناءها في ظهورهم، وكأنه نسي أن روح تعز لا تقبل الاجتزاء، ولا تركع لغير الوطن، ولا تسير خلف الفتاوى المؤدلجة، سواء جاءت من كهف أو من قناة. على إنه ذات الرجل الذي ظل يطالب بإنهاء الانقسام، فإذا به يقوده؛ وظل يروج لوحدة الجبهة، فإذا به يزرع فيها الشكوك والخيانات.
بمعنى أدق ليست صدفة أن يظهر القاضي على شاشة المهرية تحديداً؛ تلك القناة التي باتت أشبه بمقر مشترك للمليشيات تحت عباءة "الحياد".
لكن من المثير للدهشة – أو للغثيان – أن القناة ذاتها التي تتغافل عن مجازر الحوثيين بحق المدنيين، وتبتلع ألسنتها أمام ممارسات الإمامة الجديدة، تمنح الميكروفون لمن يتهم أبطال تعز ومقاتلي الحديدة بالسعي للانفصال! أي انفصال هذا الذي لم يزعج القاضي في صعدة، حيث تقام الجمارك، وتُفرض الخُمس، وتُلقى خطب السيادة الإيرانية في الجوامع، لكنه ارتجف حين سمع أن هناك إدارة ذاتية لأمن بعض المناطق المحررة؟
في الحقيقة لم يكن ظهور القاضي سوى مسرحية باهتة كتب نصفها أحد حوثيي الأمن القومي، وأخرجتها قناة المهرية بميزانية صفرية وولاء مطلق. الرجل الذي كان يُفترض أن يحاسب من تلاعبوا بمقدرات اليمن، بات يوزع صكوك الوطنية على هواه، وكأن الجمهورية إرث عائلي، وكأن وحدة الصف تأتي من اللوم على من يدافعون لا من يصافحون القَتَلة.
على إن سلوك القاضي يذكرنا بالمثل الشعبي: "من طول الغيبة جاب الغنائم!"، لكنه هذه المرة عاد من الغيبة وهو يحمل ألغاما لا غنائم، ويزرعها في جسد وطن ينزف منذ سنوات.
الأدهى أن القاضي لا يزال يحمل صفة نائب برلماني، ويتحدث باسم "الشرعية"، رغم أنه لم يدخل جلسة واحدة للبرلمان منذ سنوات، ولم يُشاهد في جبهة، أو مستشفى ميداني، أو موقع دعم للنازحين. كل ما يفعله هو التنقل بين المنابر ليحاضر في الوطنية، بينما يساهم – عمليا – في تسويق سرديات الحوثي.
وصدقوني إذا كانت هناك "دويلة" تتشكل، فهي دويلة الارتزاق الإعلامي، والولاء المعكوس، والمواقف المطاطة. دويلة تقام داخل عقول بعض الساسة ممن فقدوا الاتجاه والبوصلة، ويرون في الولاء الخارجي بوابة للنجاة، لا للخيانة.
لنخلص إلى أن، نقول لشوقي القاضي: تعز أكبر من أن تفهمها، والحديدة أنقى من أن تلوثها، والجمهورية أكرم من أن تحمل اسمك في سجلاتها.!
صحيحٌ أن ثمة مخاوف مشروعة تستحق النقاش، لكن شوقي القاضي ضخمها وألبسها رداء المؤامرة، متغافلا عن حقيقة بسيطة ومشرفة: أن المخا روح تعز، وذراعها نحو البحر، لا مشروع انفصال.!