آخر تحديث :الإثنين-05 مايو 2025-02:39م

إلى أين يمضي جمال الغراب؟

الأربعاء - 26 فبراير 2025 - الساعة 04:27 ص

فتحي أبو النصر
بقلم: فتحي أبو النصر
- ارشيف الكاتب

في زمن يزداد فيه الضجيج، ويتكاثر فيه القُضاة بلا محاكم، والمُفتون بلا علم، والمُتنمِّرون بلا وعي، يمضي جمال الغراب في طريقه، مستندا إلى مبادئ لا تهتز، وعقل لا يُساوَم عليه، وقلب يعرف كيف يمنح، بلا مقابل ولا انتظار.

نعم ، جمال الغراب ليس اسما يمر عابرا في صفحات التواصل، ولا حكاية تُحكى عن رجل نجا من العتمة إلى الضوء، بل هو تجربة، نادرة وقوية، تجسد كيف يمكن لإنسان أن يظل حرا، حتى وهو في قلب العاصفة.

والشاهد أنه عندما كان البعض يختبئ وراء جدران الخوف، كان جمال الغراب يكتب.

أو بمعنى أدق كان لا يكتب ليحصل على إعجاب أو ليتوافق مع الموجة، بل يكتب لأن لديه ما يقوله، ولأن لديه شجاعة الوقوف أمام التيارات، مهما كانت عاتية. إذ لا يخشى السؤال، ولا يخشى الاختلاف، يؤمن بأن العقول وُجدت لتفكر، وأن الإنسان ليس مجرد تابع لما يفرضه المزاج العام.

على إن طريقه لم يكن مفروشا بالورود، بل كان مرصوفا بالعقبات، بالسخرية، بالاضطهاد، بالتضييق، لكن جمال، كأي طائر غراب في سماء مفتوحة، لم يرضَ أن يُحصر في قفص. بل اتخذ قرار الرحيل، وذهب إلى حيث يمكنه أن يكون ذاته، بدون قيود ولا خوف.

طبعا كثيرون يهاجرون بحثا عن حياة مادية أفضل، لكن قليلون من يهاجرون بحثا عن ذاتهم، عن مساحة أرحب لأفكارهم، عن حياة تتسع لهم كما هم، وليس كما يريد لهم الآخرون أن يكونوا. جمال الغراب واحدٌ من هؤلاء القلائل.

من اب العظيمة إلى صنعاء الى عدن إلى إثيوبيا تتبعت جمال الغراب على مدى سنوات وهو يحكي حكاياته الرائعة التي قد تختلفون معها.

وفي كندا، لم يكن مجرد مهاجر آخر يحمل جوازا جديدا ويندمج في صمت، بل كان صوتا، موقفا، وروحا متألقة في فضاء جديد، بل لم ينسى أصدقاءه، ولم يتعالى على من تركهم خلفه، إذ ظل كما كان، يمنح النصيحة، يساند المحتاج، ويوجِّه من يبحث عن طريق.

ولأن الحرية تزعج، لأن الإنسان المختلف مستفزٌ لأولئك الذين يريدون للجميع أن يكونوا نسخا متطابقة. أو لأن المجتمع الذي اعتاد على قمع المختلفين، لا يطيق رؤية أحدهم يعيش بشجاعة. فعندما نشر جمال قصة بسيطة عن تجربة عاطفية، لم يتجاوز فيها حدود الأدب، ولم يسعى لإثارة الجدل، انقضت عليه جحافل الوصاية، وانتفض حراس الأخلاق الزائفة وكأنهم اكتشفوا جريمة العصر!

لكن الحقيقة أن ما أزعجهم لم يكن القصة، بل الجرأة، الجرأة على أن يكون إنسانا يعبر عن نفسه، الجرأة على أن يحكي بلا خوف، في مجتمع تعود على الكتمان والتستر.

والآن أسأله : إلى أين يمضي جمال الغراب؟

أظنه يمضي حيث يكون عقله حرا، وقلبه مفتوحا، فيما يستطيع أن يفكر بصوت عال، بلا تهديد ولا إسكات. يمضي في طريقه دون أن يلتفت إلى العواء خلفه، ليعرف أن الطريق الذي اختاره ليس سهلا، لكنه الطريق الذي يليق به.

وبالتأكيد لن يكون صديقي الذي اعرفه كروح جسورة الأخير في قائمة المستهدفين، فكل من يجرؤ على الاختلاف في هذا العالم العربي المترهل، يتحوّل إلى هدف، لكن الفرق أن جمال يعرف كيف يواجه، ويعرف أن حياته ليست بيد غوغاء منصات التواصل، ولا بيد من يُنصِّبون أنفسهم أوصياء على البشر.

هو اليوم مواطنٌ كندي، لكنه في روحه، لا يزال ذلك اليمني الذي يحمل اليمن في قلبه، ويفتح ذراعيه لكل من يحتاج إلى نصيحة أو دعم، وذلك لأنه لم يكن يوما أنانيا، ولم يكن يوما ممن يهربون من مسؤوليتهم تجاه الآخرين.

وها أنا اعيد السؤال عمدا:إلى أين يمضي جمال الغراب؟

يقيني أنه يمضي إلى حيث يكون الضوء، إلى حيث يكون العقل، إلى حيث يكون الإنسان أولا وأخيرا، بلا قيد ولا خوف.

تحية وتقدير واحترام لجمال الغراب.