آخر تحديث :السبت-28 يونيو 2025-09:15ص
تحقيقات

شجرة الغريب.. حكاية عمرها ألفا عامٍ تنبض في جذور اليمن

شجرة الغريب.. حكاية عمرها ألفا عامٍ تنبض في جذور اليمن
السبت - 28 يونيو 2025 - 03:11 ص بتوقيت عدن
- باب نيوز - متابعات:

شجرة الغريب ليست مجرد كائن نباتي، بل ذاكرة حية تنبض بتاريخ اليمن العريق وروحه المتجذرة في الأرض. تقف شامخة في مديرية الشمايتين، جنوب تعز، منذ أكثر من ألفي عام، كأنها حارسة الزمن ومأوى الأساطير، شاهدة على تحولات الأجيال وتفاصيل الحياة.

أُطلق عليها اسم "الغريب" لفرادة شكلها وضخامة قوامها، ويُقدَّر محيط جذعها بـ35 مترًا، وقطرها نحو 8 أمتار، وارتفاعها يلامس 16 مترًا، في مشهد يفوق الوصف ويأسر الناظرين، وتُعرف أيضًا باسم "الكولهمة"، واسمها العلمي Adansonia digitata، وهي من فصيلة الباوباب، وتُعد من أقدم الأشجار في جزيرة العرب.

بجذعها الرمادي الذي يشبه جلد الفيل، وأوراقها العريضة التي تنثر الظل على العابرين، كانت ولا تزال ملاذًا للمسافرين ومصدر إلهام للشعراء ومحورًا للحكايات الشعبية؛ تحت فيئها، التقى العشاق وسكن الحنين، فتجلّت كرمزٍ للصمود والحكمة، تنبض بالعراقة كما تنبض الأرض بالحياة.

في 21 إبريل/ نيسان الماضي تفاجأ السكان بتشقق الشجرة، وسقوط جزء منها على الأرض، حيث انشقت نصفين، وظهر تجويف في وسطها. وبررت السلطات المحلية ما حصل بوجود إهمال متعمّد، وعدم ري الشجرة خلال فصل الشتاء.

وأعقب ذلك إطلاق الصحافي اليمني معاذ ناجي المقطري، الذي يرأس المركز اليمني للإعلام الأخضر (YGMC)، الذي يهتم بقضايا المناخ والبيئة، مبادرة لإنقاذ شجرة الغريب بعنوان: "معاً لإنقاذ حارسة الدهر"، وهو الاسم الذي أطلقه على الشجرة الشاعر السوري سليمان العيسى. واستعان المركز بفريق خبراء لتحديد أسباب انشقاق الشجرة، واقترح على السلطات المحلية مجموعة حلول عاجلة لإنقاذ الشجرة المهددة بالانهيار بالكامل. وجاءت هذه الخطوة انطلاقاً من مبدأ أن الحفاظ على هذه الشجرة هو مسؤولية بيئية تقع على عاتق الجميع، فجاء التحرك لإنقاذ الشجرة وفق خطة طموحة، مبنية على منهج علمي دقيق وشراكة مجتمعية واسعة.

أكد تقرير الخبراء الذين عاينوا شجرة الغريب بعد انشطارها أن سبب سقوط جزء منها يعود إلى تفاعل معقد لسلسلة عوامل بيئية، والهيكلية المتراكمة عبر السنين، وأشار إلى أن الجزء الباقي من شجرة الغريب مهدد بسبب عوامل بيئية وطول عمرها.

ولفت التقرير إلى أن "من أبرز العوامل التي أدت إلى انشقاق الشجرة تسرّب المياه إلى التجويف الداخلي المكشوف، ما زاد سرعة التحلل الفطري والبكتيري، خاصة مع بداية موسم الأمطار، ولا يزال هبوب الرياح القوية وزيادة وزن الشجرة نتيجة تشبعها بمياه الأمطار يشكلان تهديداً مباشراً يتطلب تحركاً فورياً لإنقاذ هذا المعلم التاريخي".

وشدد التقرير على ضرورة اتخاذ إجراءات علاج فورية تتضمن تنظيفاً دقيقاً للأجزاء المتحللة داخل التجويف، وتطهير المنطقة بمواد آمنة، وتغطية الجروح الكبيرة بمعجون متخصص، وتقييم الحاجة إلى دعم هيكلي مؤقت وعاجل.

يقول المقطري لـ"العربي الجديد": "شكلنا فور انشقاق الشجرة فريقاً ميدانياً ضم خبراء بيئيين ومهندسين زراعيين حدد المشاكل الخطيرة التي يواجهها التجويف الداخلي الضخم للشجرة بتحلل فطري وبكتيري واسع يصل إلى 90% من اللب الداخلي، وتسرب المياه عبر الشقوق، ووجود مستعمرات نشطة من النمل الأبيض. وهذه العوامل أضعفت هيكل الشجرة بشكل كارثي".

يضيف: "بدأت إجراءات الإنقاذ فعلياً مطلع يونيو/ حزيران الجاري، وشملت التنظيف والتعقيم الشامل، من خلال إزالة كل الأخشاب المتحللة والفطريات والنمل الأبيض والآفات من التجويف، واستخدام مواد عضوية بيئية لسد الشقوق الكبيرة ومعالجة الأنسجة المصابة، والري والتغذية البيولوجية. وتتطلب العلاجات التالية توفير المياه والمغذيات الحيوية لتعزيز قوة الشجرة، وإزالة الحوض الإسمنتي لتحرير الجذور ومنحها مساحة للنمو الصحي، ورعاية الشجيرة الصغيرة التي نمت في جوار الشجرة الأم، فهي أملنا في استمرار هذه السلالة النادرة".

ويشدد المقطري على أن "الهدف ليس إنقاذ الشجرة فقط، بل إدراجها ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، والذي سيُوفر لها حماية دولية، ويساهم في تدفق دعم عالمي للمشاريع البيئية في اليمن، ويعترف بالقيمة الطبيعية والثقافية الاستثنائية لشجرة الغريب التي تستحق هذا الاعتراف، فهي ليست مجرد شجرة، بل تجسيد حي للتراث الطبيعي العالمي، وقصة صمود بيئي وتاريخي يجب أن تروى للعالم أجمع".

ولطالما انتشرت القصص والحكايات حول الشجرة وأصل تسميتها، كما ارتبطت بعدد من الطقوس والممارسات لدى السكان خاصة في القرى المحيطة بها، وجذبت في الوقت نفسه السياح الأجانب، خاصة في الفترة السابقة على اندلاع الحرب في البلاد، لكن أدى بدء الصراع الأهلي في البلاد إلى معاناة الشجرة خلال السنوات الماضية من الإهمال، وعدم الرعاية مما أدى إلى إصابتها بعدة آفات وأمراض عطلت نموّها.

فخر العزب - العربي الجديد