تعيش الأسواق المحلية في اليمن حالة من الترقب والقلق المتصاعد، في أعقاب التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران، والذي ألقى بظلاله الثقيلة على الأسواق العالمية، وانعكس بشكل سريع على الداخل اليمني، مع تسجيل الريال اليمني تراجعًا ملحوظًا في قيمته، من 2585 إلى 2614 ريالًا للدولار الواحد خلال يوم واحد.
ويأتي هذا التراجع في ظل ارتفاع أسعار النفط والذهب عالميًا، في وقت تلوح فيه في الأفق سيناريوهات خطرة تشمل اضطرابات محتملة في المضائق المائية وممرات التجارة الدولية، مما يزيد من مخاطر اضطراب سلاسل الإمداد وارتفاع كلفة الشحن.
وتُعدّ اليمن من أكثر الدول المعرضة لتداعيات هذه الاضطرابات، خصوصًا مع تصاعد التوتر في البحر الأحمر، وتضرر موانئ الحديدة من عمليات القصف المرتبطة بالعدوان الإسرائيلي، تزامنًا مع إطلاق الحوثيين لصواريخ تستهدف منشآت إسرائيلية، في سياق موقفهم المؤيد لغزة، وفق بيانات رسمية.
انعكاسات اقتصادية خانقة
يرى الباحث المصرفي نشوان سلام أن أسباب الانهيار السريع للعملة المحلية تعود إلى هشاشة البنية الاقتصادية في مواجهة الأزمات، إذ تفتقر البلاد للأدوات المالية والإدارية الكفيلة باحتواء تداعيات التوتر الإقليمي، في بلد يعتمد كليًا على الاستيراد. وأشار إلى أن تذبذب الأسواق اليمنية بات يتأثر فورًا بأي تطورات إقليمية، ما يعمّق من أزمات الأسعار والسيولة.
وتزامن انهيار العملة مع ارتفاع حاد في الأسعار وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وسط أزمة سيولة خانقة، وصعوبات تواجه التجار في توفير العملة الصعبة واستكمال عمليات الاستيراد، مما فاقم من شح المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية في الأسواق.
مخاطر المضائق وإغلاق الممرات الحيوية
بدوره، حذّر الخبير البحري محمد شايف من التداعيات الكارثية لأي تصعيد يشمل مضيق هرمز وباب المندب، مشيرًا إلى أن إغلاق أحد أهم الممرات التجارية قد يشلّ حركة التجارة العالمية ويؤثر مباشرة على اليمن، التي شهدت في الأشهر الماضية توقفًا متكرّرًا لموانئها نتيجة القصف.
وأكد أن العدوان الإسرائيلي والأميركي على اليمن أدّى إلى إرباك في سلاسل الإمداد، مع تأخير دخول سفن الوقود والبضائع إلى ميناء الحديدة، مشددًا على أن استمرار هذه التوترات يهدد بانهيارات أكبر في الخدمات والاقتصاد.
أزمات معيشية وأثر متصاعد للتصنيف السياسي
تشير تقارير مراقبين اقتصاديين إلى أن اليمن غارق بالفعل في أزمات اقتصادية ومالية حادة منذ مطلع العام، زادت حدتها مع تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية من قبل الإدارة الأميركية، وما رافقه من تعقيدات في المعاملات الدولية والمساعدات الإنسانية. وقد ساهم العدوان الإسرائيلي الأميركي في مفاقمة هذه الأزمات، إلى جانب التداعيات المتراكمة من الحروب الاقتصادية، أبرزها حرب الرسوم الجمركية.
الاعتماد الكامل على الاستيراد والرهان على المساعدات
يؤكد المحلل الاقتصادي وفيق صالح أن الأزمات الحالية ليست مفاجئة، في ظل اعتماد اليمن شبه الكلي على الواردات، مما يجعله هشًّا أمام أي اضطراب في سلاسل الإمداد. كما أن ارتفاع كلفة الشحن والتأمين سيؤدي حتمًا إلى تضخم جديد في أسعار السلع. وأشار إلى أن صعوبات استيراد المواد الأساسية كالقمح قد تتزايد، في وقت بدأت فيه الدول المانحة تقليص مساعداتها، ما قد يعمّق من معاناة اليمنيين.
ودعا صالح إلى فتح ممرات برية مؤمّنة عبر عمان والسعودية، بالإضافة إلى تفعيل ميناء عدن، كحلول مؤقتة لتقليل كلفة الواردات وتحسين حركة البضائع.
تمويلات أممية متراجعة ومخاوف من الأسوأ
من جهته، أكد الباحث الاقتصادي نبيل الشرعبي أن الأزمة الكبرى تتمثل في انخفاض التمويلات الأممية والدولية، مما انعكس على تقلص أنشطتها الحيوية في الأسواق، وأدى إلى خلل في الدورة النقدية. وأشار إلى أن استمرار التصعيد بين إسرائيل وإيران سيزيد من تدهور سعر الصرف، ويُعمّق أزمة السيولة والمعيشة في اليمن، التي باتت تتحرك في دوامة من الانهيار مع كل تطور جديد تشهده المنطقة.