تشهد الساحة اليمنية تحولًا جديدًا في طبيعة الصراع، مع تزايد النفوذ الصيني ودعمه لجماعة الحوثيين، الأمر الذي أثار قلقاً دولياً بشأن انعكاسات هذا التدخل على المشهد الإقليمي.
وبحسب مصادر دبلوماسية غربية، فإن التأثير الصيني في اليمن أخذ أبعادًا جديدة خلال الفترة الأخيرة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، حيث برز دعمه العسكري والتقني لجماعة الحوثي، مما عزز قدراتهم القتالية في مواجهة الحكومة الشرعية المدعومة دوليًا والتحالف العربي.
وتكشف التقارير عن امتلاك الحوثيين أسلحة وتقنيات حديثة ذات منشأ صيني، استخدموها في المواجهات الأخيرة، بما في ذلك ضد الولايات المتحدة، وهو ما يمثل تحولًا في مصادر التسليح لديهم، بعدما كانت تعتمد في السابق على الأسلحة الروسية والإيرانية.
يأتي هذا التصعيد في وقت يشهد اليمن اضطرابات أمنية متزايدة، وسط مخاوف من أن يؤدي التدخل الصيني إلى تعقيد جهود السلام، وإطالة أمد الأزمة التي تعاني منها البلاد منذ سنوات.
تطور القدرات الحوثية في اليمن
وشهدت القدرات الحوثية تطوراً ملحوظاً برز خلال العمليات العسكرية الأميركية الجوية والبحرية ضد الجماعة، إذ تمكن الحوثيون من إسقاط عدد من الطائرات الأميركية المسيّرة، فضلاً عن دقة الاستهدافات الحوثية للسفن الغربية في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي، باستخدام تقنيات ورادارات حديثة، قالت الولايات المتحدة إن الصين هي من تزود الحوثيين بالصور والخرائط.
وكانت الخارجية الأميركية قد اتهمت في إبريل/نيسان الماضي شركة "تشانغ غوانغ" الصينية لتكنولوجيا الأقمار الاصطناعية بدعم هجمات الحوثيين على المصالح الأميركية بشكل مباشر عبر تقديم صور أقمار اصطناعية للحوثيين. وقالت المتحدثة باسم الخارجية تامي بروس إن شركة تشانغ غوانغ "تدعم بشكل مباشر الهجمات الإرهابية الحوثية المدعومة من إيران على المصالح الأميركية، واستمر الدعم من الشركة رغم تكرار المناشدات لبكين لوقف الدعم السري للحوثيين".
وأضافت بروس أن "دعم بكين للشركة، حتى بعد محادثاتنا الخاصة معهم هو مثال آخر على ادعاءات الصين الفارغة بدعم السلام".
في المقابل، قال المتحدث باسم الخارجية الصينية لين جيان، إنه ليس لديه علم بالاتهامات الأميركية بدعم الشركة الصينية للحوثيين في اليمن، نافياً الاتهام الأميركي لهم بأنهم يقوضون السلام الإقليمي.
وتشير دلائل ومعطيات في اليمن إلى أن معركة من نوع آخر بدأت على الأرض اليمنية بين الولايات المتحدة والصين.
وكشفت مصادر عسكرية يمنية لـ"العربي الجديد" أن قوات موالية للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وقوات من التحالف العربي قد تمكنت في مرات عدة من مصادرة شحنات أسلحة وقطع غيار يستخدمها الحوثيون لتعزيز قدراتهم العسكرية، وبعض تلك المعدات وقطع الغيار منشأها إيران وبعضها دول شرق آسيا بما فيها الصين.
وأكدت أن مئات المسيّرات الحوثية التي أسقطها الجيش اليمني والقوات المساندة له، إضافة إلى قوات التحالف، أظهرت أن الكثير من القطع والمعدات المستخدمة في صناعتها هي مستوردة إما من إيران أو من الصين، وتزايدت خلال السنوات الأخيرة القطع الصينية.
وفي مارس/آذار الماضي، تحدث تقرير نشرته منظمة أبحاث تسليح النزاعات (Conflict Armament Research)، عن تهريب مكونات خلايا وقود الهيدروجين إلى الحوثيين في اليمن لتطوير طائرات مسيّرة، لها قدرة أكبر على التخفّي والتحليق لمسافات أطول. وأظهر التقرير أن بعض مكوّنات هذه التقنية صُنّعت في الصين.
في موازاة ذلك، كشف تقرير لمركز أبحاث "أتلانتيك كاونسل" في مايو/أيار الماضي، بعنوان "كيف حوّلت الصين البحر الأحمر إلى فخ استراتيجي للولايات المتحدة"، أنه فيما كانت السفن التجارية الغربية تُواجه سلسلة من هجمات المسيّرات والصواريخ الحوثية في البحر الأحمر، فإن السفن التي تحمل علامة "سفينة صينية وطاقمها" تبحر عبر هذه المياه نفسها من دون أن تُمسّ.
وأشارت إلى أن بيانات التتبع البحري تكشف أن السفن الصينية تحظى بمعاملة خاصة في منطقة صراع مشتعلة.
تنسيق حوثي ـ صيني
وبحسب التقرير، فإن هذه المعاملة التفضيلية ليست مصادفة، بل هي نتيجة تخطيط دبلوماسي دقيق. وأشار إلى أن "عقوبات وزارة الخزانة الأميركية الأخيرة، تكشف أن قادة الحوثيين، بمن فيهم عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي، نسقوا مباشرةً مع المسؤولين الصينيين لضمان عدم استهداف سفنهم.
وقد أُضفي الطابع الرسمي على هذا الاتفاق غير الرسمي خلال محادثات دبلوماسية في عُمان، تُوّج بضمانات صريحة للمرور الآمن، حتى مع تصاعد هجمات الطائرات المسيرة والصواريخ ضد سفن الشحن الأميركية والغربية الأخرى".
وتابع التقرير: "بينما يدّعي المسؤولون الحوثيون علناً التمييز بين السفن الغربية والصينية، إلا أن أنظمة الاستهداف لديهم لا تزال بدائية وعرضة للخطأ، مما يؤدي أحياناً إلى هجمات خاطئة على السفن الصينية العابرة لمضيق باب المندب الضيق، إلا أنها أظهرت تقدماً في تحسين دقتها، بفضل التكنولوجيا الصينية".
يأتي هذا فيما لم يصدر أي تصريح رسمي من الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً حتى الآن يدين الصين أو يطلب منها أي توضيحات بشأن هذه التسريبات، بحسب مصدر دبلوماسي يمني في وزارة الخارجية، اعتبر في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "ذلك أصبح ملحّاً بعد تزايد الشواهد على أن الحوثيين يعتمدون على شركات صينية لتعزيز قدراتهم، وهو ما يوجب على الحكومة اليمنية طلب توضيح وتحديد موقف من بكين، إذ يبدو فعلياً أن الصين انخرطت ضمن حروب الوكالة بينها وبين الولايات في أكثر من منطقة وأكثر من مجال".
نقلاً عن العربي الجديد - فارس الجلال